Thursday, August 28, 2008

لو تأخر الهلال لزدتكم

/ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، فقال رجل من المسلمين : فإنك تواصل يارسول الله ؟ فقال : (وأيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) فلمَّا أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً، ثم يوماً ثم رأوا الهلال، فقال : ( لو تأخر الهلال لزدتكم ) كالمنكل، لهم حين أبو أن ينتهوا هذا الخبر متفق عليه .

قال البخاري رحمه الله حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب ابن أبي حمزة قال حدثنا الزهري عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة به .

وقال مسلم رحمه الله حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب عن يونس عن الزهري به .

ورواه مسلم رحمه الله من طرق عن أبي هريرة، ورواه البخاري أيضاً من طريق عبدالرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة به .

ورواه من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به . ورواه البخاري ومسلم من طريق هشام بن عـروة عـن أبيه عن عائشة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمةً لهم ... )

قوله : [ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ] .

الأصل في النهي أن يكون للتحريم مالم يمنع من ذلك مانع، وقد ذهب إلى تحريم الوصال الإمام أبو حنيفة ومالك والشافعي وكرهه كراه تنزيه طائفة أخرى منهم عبدالرحمن بن أبي ليلى وأبو الجوزاء وأخرون .

وفصل فيه فقهاء الحنابلة فقالوا المواصلة إلى السحر لا بأس بها والزيادة على ذلك مكروهة وقال بعضهم بالتحريم .

وقد روى الإمام أبو داود بسند صحيح من طريق عبدالرحمن ابن أبي ليلى قال حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن الوصال والحجامة للصائم ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه) فهذا الخبر يفيد أن النهي عن الوصال للتنزيه لا للتحريم إذ لو كان النهي للتحريم لما واصل النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه يوماً ثم يوماً حتى رأوا الهلال .

وأيضاً لو كان الأمر للتحريم لحسم النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالإنكار عليهم ولما نكل بهم ولذلك جاء عن جماعة من الصحابة أنهم يواصلون حتى أن عبدالله بن الزبير كان يواصل خمسة عشر يوماً . رواه عنه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف ورواته كلهم ثقات .

قوله [ قالوا يارسول الله إنك تواصل ] .

ظاهر هذا أنّ أصحابه كانوا يواصلون إقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم لقـول الله جل وعـلا { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) } ( سورة الأحزاب ) .

ويستفاد من الحديث أيضاً أن ماعمله النبي صلى الله عليه وسلم يشرع لنا الإقتداء به مالم يرد دليل في الخصوصية . وقد قال في المراقي :

ومابه قد خوطب النبي تعميمه في المذهب السني


قوله : [ إني لست كهيئتكم ] .

فيه إثبات خصوصية الوصال للنبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني " وهذا الطعام والشراب ليس حسياً ومن فهم هذا فقد غلط وإنما مراده صلى الله عليه وسلم ، إن الذي يحصل لي من المعرفة بربي والاشتغال بذكره والمداومة على عبادته يغنيني عن الطعام وعن الشراب .

وقد قيل إن ظواهر الأحاديث ولا سيما حديث عائشة تفيد أن النهي عن المواصلة من أجل المشقة ومن لا يشق عليه لا يمنع من الوصال وهذا قول طائفة من فقهاء الحنابلة وغيرهم ويجاب عن هذا بأنه قد ثبت النهي عن المواصلة لأن من شأن الوصال المشقة والملل في العبادة فوقع النهي عن ذلك لما يترتب عليه من هذه المضار والله أعلم .

ونستفيد من الحديث رأفة النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة حيث نهاهم عن الوصال لئلا يشق عليهم، وهذا معنى قول الله جل وعلا { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} ( سورة التوبة ) .

قوله [ فواصل بهم يوماً ثم يوماً حتى رأوا الهلال ] .

هذه اللفظة قرينة على أن النهي في أول الحديث ليس للتحريم إذ لو كان النهي للتحريم لما نكل النبي صلى الله عليه وسلم بهم في المحرمات بل لنهاهم فوجب عليهم حينئذ الامتثال .

619/ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعلم به والجهل ، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ) .

هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه فقال حدثنا آدم ابن أبي إياس قال حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة .

والحديث رواه أبو داود في سننه عن شيخه أحمد بن يونس قال حدثنا ابن أبي ذئب فذكره دون قوله و (الجهل) والمؤلف يقول واللفظ لأبي داود وصوابه أن اللفظ للبخاري فقد رواه رحمه الله في كتاب الأدب من صحيحه فقال حدثنا أحمد بن يونس قال أخبرنا ابن أبي ذئب فـذكره وعنده والجهل .

قوله [ من لم يدع قول الزور ] .

أي من لم يترك، قول الزور والزور يطلق على الكذب ويطلق على ماهو أعم من الكذب كقول الباطل والعمل بمقتضاه وقوله جل وعلا { وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قيل لايشهدون شعانين المشركين ولا أعيادهم والحق أن الآية أعم من هذا والصحيح في معنى الزور أنه يشمل كل باطل مخالفاً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنه في الشهادات أخص منه في غيره فمن يشهد شهادة كذب فهذا يدخل في الزور دخولاً أولياً .

قوله [ والجهل ] .

أي السفه وفي دعاء الخروج من المنـزل ( اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل أو أزل أو أُزل أو أظلم أو أُظلم ـ الشاهد ـ أو أجهل أو يُجهل عليَّ ) ومن الجهل الإساءة إلى الآخرين والتعرض لحرمات المؤمنين وليس المراد بالجهل هنا الذي هو ضد العلم فهذا وإن كان مذموماً إلا أنه غير مراد في الحديث فالمراد بالجهل هنا السفه والوقوع بالخطأ بحق الأخرين.

قوله [ فليس لله حاجة ] .

هذا لا مفهوم له فلا يقال في الحديث يفهم منه أنه إذا ترك قول الزور والعمل به والجهل فلله فيه حاجة هذا الحديث لامفهوم له لأن الله غنيٌ عن العباد .

قال تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} ( سورة فاطر ) . غنى مطلق من جميع الوجوه فلا يحتاج ربنا جل وعلا إلى أحد من عباده وإنما خلقهم ليعبدوه لم يخلقهم من قلة فيستكثر بهم ولا من ضعف فيستنصر بهم ولا من وحشة فيستأنس بهم فمن ظن هذا فقد ظن بربه ظن السوء وهذا من أقبح أنواعه وهو كفر باتفاق أهل العلم فالمعنى إذاً من الحديث أن من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فالله جل وعلا غنيٌ عن إمساكه عن الطعام والشراب لأن حقيقة الصوم الإعراض عن حرمات الآخرين وحفظ اللسان والفرج وليس الصوم مجرد إمساك عن الطعام وعن الشراب كما هو صوم الكسالى الذين يسهرون معظم الليل وربما صلى الفجر وربما لم يصلّ فينامون إلى صلاة الظهر هذا الكيس منهم وإلا فبعضهم لايصلون ولايستيقظون إلا مع غروب الشمس وهذا في الحقيقة ليس صياماً إنما هو نوم ولعب وكسل مثل هؤلاء مأزورون غير مأجورين . وهؤلاء ليس لله فيهم حاجة .

والحديث يدل على أن قول الزور يدخل في ذلك . والغيبة والنميمة وتتبع عورات المسلمين تنقص ثواب الصيام ولاتبطله باتفاق أهل العلم خلافاً لابن حزم رحمه الله فإنه يرى أن قول الزور والجهل وسائر المعاصي من الغيبة والنميمة وأكل الربا تبطل الصيام وهذا قول مرجوح فلا يُبْطِلُ الصيامَ إلا أشياءُ حسية مخصوصة جاء النص بها الأكل والشرب والجماع وماعداها فمختلف فيه .