Wednesday, June 29, 2016

تَرْكُ التَّكَسُّبِ فِي رَمَضَانَ لِلتَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ

- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الاكْتِسَابَ فَرْضٌ لِلْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ بِقَدْرِ مَا لا بُدَّ مِنْهُ .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ : الاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ أَفْضَلُ ، أَمِ التَّفَرُّغُ لِلْعِبَادَةِ ؟ .
فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى أَنَّ الاشْتِغَالَ بِالْكَسْبِ أَفْضَلُ ؛ لأَنَّ مَنْفَعَةَ الاكْتِسَابِ أَعَمُّ ، فَمَنِ اشْتَغَلَ بِالزِّرَاعَةِ - مَثَلا - عَمَّ نَفْعُ عَمَلِهِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِالْعِبَادَةِ نَفَعَ نَفْسَهُ فَقَطْ .
وَبِالْكَسْبِ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ وَالإِحْسَانِ إِلَى الأَقَارِبِ وَالأَجَانِبِ ، وَفِي التَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ لا يَتَمَكَّنُ إِلا مِنْ أَدَاءِ بَعْضِ الأَنْوَاعِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلاةِ .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الاشْتِغَالَ بِالْعِبَادَةِ أَفْضَلُ احْتَجَّ بِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا اشْتَغَلُوا بِالْكَسْبِ فِي عَامَّةِ الأَوْقَاتِ ، وَكَانَ اشْتِغَالُهُمْ بِالْعِبَادَةِ أَكْثَرُ ، فَيَدُلُّ هَذَا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ ؛ لأَنَّهُمْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانُوا يَخْتَارُونَ لأَنْفُسِهِمْ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ .
وَعَلَيْهِ فَمَنْ مَلَكَ مَا يَكْفِي حَاجَتَهُ فِي رَمَضَانَ كَانَ الأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ التَّفَرُّغَ لِلْعِبَادَةِ طَلَبًا لِلْفَضْلِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، وَإِلا كَانَ الأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ التَّكَسُّبَ حَتَّى لا يَتْرُكَ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ مَا لا بُدَّ مِنْهُ .
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ الْخَيْوَانِيِّ قَالَ : شَهِدْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَتَاهُ مَوْلًى لَهُ فَقَالَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ هَذَا الشَّهْرَ هَاهُنَا - يَعْنِي رَمَضَانَ - قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : هَلْ تَرَكْتَ لأَهْلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : أَمَا لا ، فَارْجِعْ فَدَعْ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ " (1) وَقَدْ تَرْجَمَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ لأَخْلاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ : ذِكْرُ مَا يَجِبُ عَلَى طَالِبِ الْحَدِيثِ مِنْ الاحْتِرَافِ لِلْعِيَالِ وَاكْتِسَابِ الْحَلالِ (2) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ : ( اكْتِسَاب ) .
(1)حديث : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " . أخرجه أحمد ( 2 / 195 ـ ط الميمنية ) والخطيب البغدادي في الجامع ( 1 / 97 ـ ط مكتبة المعارف ) والسياق للخطيب ، وذكر الذهبي في الميزان ( 4 / 350 ـ ط الحلبي ) أن راويه عن عبد الله بن عمرو فيه جهالة ، ولكن الحديث صحيح بلفظ : " كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته " . أخرجه مسلم ( 2 / 692 ـ ط الحلبي ) .
(2)الجامع للخطيب البغدادي 1 / 97 ، الكسب للشيباني ص44 ، 48 .

تصىريف من الموسوعة الفقهية الكويتية