- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الاكْتِسَابَ فَرْضٌ
لِلْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ بِقَدْرِ مَا لا بُدَّ مِنْهُ .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيُّهُمَا
أَفْضَلُ : الاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ أَفْضَلُ ، أَمِ التَّفَرُّغُ لِلْعِبَادَةِ ؟ .
فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى أَنَّ
الاشْتِغَالَ بِالْكَسْبِ أَفْضَلُ ؛ لأَنَّ مَنْفَعَةَ الاكْتِسَابِ أَعَمُّ ، فَمَنِ
اشْتَغَلَ بِالزِّرَاعَةِ - مَثَلا - عَمَّ نَفْعُ عَمَلِهِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ
، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِالْعِبَادَةِ نَفَعَ نَفْسَهُ فَقَطْ .
وَبِالْكَسْبِ يَتَمَكَّنُ مِنْ
أَدَاءِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ
وَصِلَةِ الأَرْحَامِ وَالإِحْسَانِ إِلَى الأَقَارِبِ وَالأَجَانِبِ ، وَفِي التَّفَرُّغِ
لِلْعِبَادَةِ لا يَتَمَكَّنُ إِلا مِنْ أَدَاءِ بَعْضِ الأَنْوَاعِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلاةِ .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الاشْتِغَالَ
بِالْعِبَادَةِ أَفْضَلُ احْتَجَّ بِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ مَا اشْتَغَلُوا بِالْكَسْبِ فِي عَامَّةِ الأَوْقَاتِ ، وَكَانَ اشْتِغَالُهُمْ
بِالْعِبَادَةِ أَكْثَرُ ، فَيَدُلُّ هَذَا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ
؛ لأَنَّهُمْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانُوا يَخْتَارُونَ لأَنْفُسِهِمْ
أَعْلَى الدَّرَجَاتِ .
وَعَلَيْهِ فَمَنْ مَلَكَ مَا
يَكْفِي حَاجَتَهُ فِي رَمَضَانَ كَانَ الأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ التَّفَرُّغَ لِلْعِبَادَةِ
طَلَبًا لِلْفَضْلِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، وَإِلا كَانَ الأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ التَّكَسُّبَ
حَتَّى لا يَتْرُكَ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ مَا لا بُدَّ مِنْهُ .
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي
مُسْنَدِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ الْخَيْوَانِيِّ قَالَ : شَهِدْتُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَمْرٍو فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَتَاهُ مَوْلًى لَهُ فَقَالَ : إِنِّي أُرِيدُ
أَنْ أُقِيمَ هَذَا الشَّهْرَ هَاهُنَا - يَعْنِي رَمَضَانَ - قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ
: هَلْ تَرَكْتَ لأَهْلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : أَمَا لا ، فَارْجِعْ
فَدَعْ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ
يَقُوتُ " (1) وَقَدْ تَرْجَمَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ لأَخْلاقِ
الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ : ذِكْرُ مَا يَجِبُ
عَلَى طَالِبِ الْحَدِيثِ مِنْ الاحْتِرَافِ لِلْعِيَالِ وَاكْتِسَابِ الْحَلالِ
(2) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ : ( اكْتِسَاب ) .
(1)حديث : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " . أخرجه
أحمد ( 2 / 195 ـ ط الميمنية ) والخطيب البغدادي في الجامع ( 1 / 97 ـ ط مكتبة المعارف
) والسياق للخطيب ، وذكر الذهبي في الميزان ( 4 / 350 ـ ط الحلبي ) أن راويه عن عبد
الله بن عمرو فيه جهالة ، ولكن الحديث صحيح بلفظ : " كفى بالمرء إثما أن يحبس
عمن يملك قوته " . أخرجه مسلم ( 2 / 692 ـ ط الحلبي ) .
(2)الجامع للخطيب البغدادي 1 / 97 ، الكسب للشيباني ص44 ، 48 .
تصىريف من الموسوعة الفقهية الكويتية