Thursday, August 28, 2008

يكفر السنة الماضية والباقية

قال المؤلف رحمه الله :

633/ عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئلَ عن صوم يوم عرفـة . فقال : ( يكفر السنة الماضية والباقية ) وسُئِل عن صوم يوم عاشوراء . فقال : ( يكفر السنة الماضية ) وسئل عن صوم يوم الإثنين ، فقال (ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل عليّ فيه) .

رواه مسلم في صحيحه قال رحمه الله حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عـن غيلان بن جرير سمع عبدالله بن معبد عن أبي قتادة رضي الله عنه .

ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه .

والحديث يدل على فضيلة صيام يوم عرفة لغير الحاج لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم بعرفة ولا كان أبو بكر وعمر وعثمان يصومون بعرفة يوم كانوا حجاجاً إنما يشرع الصيام لغير الحاج وأما الحاج فمشروع له الفطر وإن كان يقدر على الصيام لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل الخلفاء بعده، وصيام يوم عرفة لغير الحاج يكفر سنتين السنة الماضية والسنة القابلة وقد قيل إن تكفيره لسنة القابلة بأن يوفق لترك المعاصي وفي هذا نظر والأولى حمل الحديث على ظاهره، وذلك بأن مايعمله من المعاصي فإنها مكفرة وهل التكفير يقع للصغائر دون الكبائر أم أن التكفير يعم الكبائر والصغائر قولان عند أهل العلم :

القول الأول : قول الجمهور أن التكفير يقع للصغائر دون الكبائر لقول الله { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } ( النساء ) .

ولما روى الإمام مسلم رحمه الله من طريق العلا ابن عبدالرحمن بن يعقوب الحرقي مولاهم عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة مكفرات لما بينهنّ مالم تغش الكبائر ) .

فهذا نص صريح على أن صيام رمضان والصلوات الخمس لاتكفر الكبائر وإنما يكفر الكبائر الندم والتوبة .

فإذا كانت الصلوات الخمس لاتقوى على تكفير الكبائر فمن باب أولى صيام يوم عرفة لأن الصلاة أفضل من الصيام خصوصاً إذا كانت الصلاة فرضاً وهذا قول الأئمة الأربعة وذكره ابن عبدالبر في التمهيد إجماعاً ورد على المخالف في هذه القضية .

القول الثاني : قول أهل الظاهر وهو أن التكفير يقع للكبائر والصغائر معاً وانتصر لهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وذكر في كتاب الإيمان عشرة أوجه ينتصر بها لهذا القول، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة ( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) فهذا الحديث من أدلة شيخ الإسلام رحمه الله بتكفير الأعمال للكبائر، وقد سبق بحث هذه القضية بأدلتها وينبغي لطالب العلم أن يراجع كتاب ( الإيمان ) ليستفيد من تقرير شيخ الإسلام رحمه الله لهذه المسألة .

قوله : [ وسئل عن صيام يوم عاشوراء ] .

يوم عاشوراء يوم تعظمه يهود لأنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه من آل فرعون فصامه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال نحن أحق بموسى منكم، وقال صلى الله عليه وسلم ( لأن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع ) . وذلك من أجل مخالفة اليهود في إفراده .

صيام يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية وهو أقل ثوباً من صيام يوم عرفة لغير الحاج لأن صيام يوم عرفة يكفر سنتين وصيام يوم عاشوراء يكفر سنة واحدة .

وهل يشترط بالتكفير أن يصوم التاسع مع العاشر . الجواب : لا فلو صام عاشوراء لحصل له التكفير فإن قيل صيام عاشوراء لاتحصل به المخالفة فنقول إن المخالفة لليهود تحصل ولو مرة واحدة في العمر كقوله صلى الله عليه وسلم صلوا بالنعال فإن اليهود لايصلون بنعالهم لو أن رجلاً صلى بنعاله مرة واحدة في العمر خرج بذلك عن مشابة اليهود فلا يشترط في جميع العمر أن يصوم التاسع مع العاشر فإن المخالفة تصدق ولو مرة واحدة كما هو مقرر عند جماعة من أهل الأصول كما أن الواجب يصدق فعله في مرة واحدة مالم تدل قرينة التكرار ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أذن المؤذن فقولوا مثلما يقول ) إذا تابعن أحد المؤذنين مرة واحدة أدّين المطلوب فإذا أذن الثاني استحب متابعته والمقصود أن صيام يوم عاشوراء يكفر سنة وصيام يوم قبله أفضل من إفراده وأما حديث ( صوموا يوماً قبله ويوماً بعده ) فهذا رواه الإمام أحمد ومداره على محمد ابن عبدالرحمن ابن أبي ليلى وقد قال عنه الإمام أحمد كان سيء الحفظ مضطرب الحديث وأيضاً قد خولف في إسناده فالخبر منكر ولايصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رغب بصيام ثلاثة أيام في عاشوراء وإنما جاءت فضيلة صيام ثلاثة أيام بأدلة عامة لاتختص بشهر الله المحرم .

وكذلك الحديث الآخر ( صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده ) هذا الخبر منكر .

وقد روى عبدالرزاق بالمصنف بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (صوموا التاسع مع العاشر ) وهذا هو المحفوظ .

قوله [ وسئل عن صوم يوم الإثنين ، فقال : ذلك يوم ولدت فيه ] .

يشير بهذا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه يشرع صيامه لأن يوم الإثنين يوم ولد فيه صلى الله عليه وسلم، وفيه تعرض الأعمال على الله جل وعلا فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن يُعرض عمله وهو صائم ولذلك كان عليه الصلاة والسلام كثيراً مايصوم يوم الإثنين .

وقد احتج بحديث الباب بعض الصوفية على الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون بما أنه شرع صيام يوم الإثنين فكذلك يشرع الاحتفال بمولده، وأقول بصرف النظر عما يقع في الاحتفال من الشركيات والضلالات والبدع فإننا نقول إن جنس الاحتفال بالمولد بدعة وضلالة، فلو كان فهمُ هؤلاء الصوفية صحيحاً لكان الصحابة بهذا الفهم أولى فليس هناك أحدٌ من البشر أكثر تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة ولا أكثر حباً له منهم ومع ذلك ماكانوا يحتفلون بمولده صلى الله عليه وسلم ولافعل هذا صحابيٌ قط، كذلك التابعون لهم بإحسان كذلك الأئمة الأربعة كلهم لم يكونوا يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم .

وإنما أحدث هذا الفاطميون وهم أهل جهل وضلال وأهل بدع، وشرك فإنهم حين بعدوا عن الدين واعتاضوا عن الهدى بالضلال وعن الرشاد بالغي أحدثوا هذه الاحتفالات المبتدعة .

وأما حديث الباب فإنما يدل على مشروعية الصيام يوم الإثنين ولايدل على مشروعية الاحتفال ومن فهم هذا فعليه الدليل والواجب الرجوع إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم .

وفي الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين وأوحي إليه في يوم الإثنين وهذا بالإجماع وأدلته كثيرة .