628/ وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : يارسول الله، إني أجد فيّ قوة على الصيام في السفر . فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ) .
هذا الخبر رواه مسلم رحمة الله عليه قال حدثنا أبو الطاهر وهارون بن سعيد الأيلي قال حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي ... الحديث .
ورواه البخاري ومسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنَّ حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم يارسول الله أأصوم في السفر وكان كثير الصيام فقال صلى الله عليه وسلم ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر ) .
والحديث دليل على تخيير المسافر بين الصيام والفطر إلا أن الفطر أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم ( هي رخصة فمن أخذ بها فحسن ) وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
ويستدل لهم أيضاً بحديث ابن عمر عند الإمام أحمد وصححه ابن خزيمة من طريق عمارة بن غزية عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ) .
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة على مذاهب كثيرة أذكر أهمها على وجه الاختصار .
المذهب الأول : تحريم الصوم في السفر مطلقاً ومن صام فعليه القضاء .
وهذا مذهب جماعة من أهل الظاهر لقول الله جل وعلا { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ( البقرة ) .
قالوا دلت هذه الآية على وجوب القضاء على المسافر ولم يذكر الله تعالى الإفطار بينما قدر جمهور العلماء الآية ( فمن كان منكم مريضاً أوعلى سفر فأفطر
وسياق الآيات يدل على هذا أما أهل الظاهر فقالوا إن صام في السفر فعليه القضاء لأن الفطر يلزمه .
واستدلوا أيضاً بحديث جابر السابق ( أولئك العصاة أولئك العصاة ) واستدلوا أيضاً بحديث جابر في الصحيحن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ليس من البر الصيام في السفر ) .
المذهب الثاني : عكس هذا المذهب أن الصيام واجب في السفر فلا يجوز الفطر في السفر إلا عند المشقة .
المذهب الثالث : تجويز الأمرين إلا أن الصيام أفضل من الفطر .
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وذكره ابن حجر في فتح الباري عن جمهور العلماء ورجحه .
وقد استدل أصحاب هذه القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر وأن عبدالله بن رواحه كان يصوم في السفر وأن أنس بن مالك كان يصوم في السفر .
واستدلوا أيضاً بحديث الباب .
فلو كان الصيام في السفر مكروهاً أوخلاف الأولى لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حمزة الأسلمي .
المذهب الرابع : تجويز الأمرين إلا أن الفطر أفضل .
وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله وقد تقدم .
المذهب الخامس : أن يفعل المسافر ماهو الأرفق به فإن كان الصيام أرفق به ولايشق عليه بل لو أفطر لشق عليه القضاء فيما بعد فالصيام حينئذ أرفق بحقه وإن كان الصيام يشق عليه أويضعفه عن بعض العبادات المهمة فالفطر في حقه أفضل.
وهـذا مذهب أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رحمه الله واختار هذا القول الإمام ابن المنذر رحمه الله .
وهذا المذهب أعدل المذاهب وبه يحصل الجمع بين الأدلة .
وأما إن كان الصيام يشق عليه وصام فهذا لايجوز وعليه ينزل حديث (ليس من البر الصيام في السفر) وحديث ( أولئك العصاة أولئك العصاة ) .
وأما إذا لم يجد مشقه فعليه ينزل صيام النبي صلى الله عليه وسلم وصيام حمزة بن عمرو الأسلمي وصيام أنس وقد روى مسلم في صحيحه أيضاً من حديث أبي النظر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( في غزوة في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم ) .
والسبب في هذا أنهم لايجدون مشقة في الصيام ولم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم فعلم جواز الصيام في السفر لمن لايشق عليه بل ربما يكون أفضل من الفطر على حسب التفصيل السابق .